الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

قل لي ما القناة التي تشاهدها أقل لك من أنت

القنوات الفضائية
 أصبحت القنوات الفضائية في السنوات الأخيرة وخاصة قبيل الربيع العربي أدوات ليست فقط للإعلام أو نقل الصورة والخبر ولا حتى للتحاليل السياسية وإنما أضحت الكثير من القنوات الفضائية وسائل وأدوات لصناعة اتجاهات الشعوب أو مايصطلح بتسميته صناعة الرأي العام ، وبالنظر إلى هذا المفهوم الذي لا يختلف عليه الكثيرون قد يقول البعض أن هذا أمر محمود ، وقد يكون هذا الكلام صائبا لو كانت هذه القنوات تصنع رأيا عاما بحيادية ، ولكنه لا يخفى على أحد أن لكل قناة أجندة تتعدى الدور الإعلامي .سيتطرق الكاتب في هذا المقال إلى شرح هذه الصورة :
(مقال) بقلم: سامر إلياس -- يزداد تأثير وسائل الإعلام في صنع الرأي العام. وبدا واضحا الدور الكبير لوسائل الإعلام التقليدية والحديثة في حراك "الربيع العربي". وقديما قالت العرب "الناس على دين ملوكها"، وبمقاربة بسيطة وإسقاط على الواقع الحالي يصح القول إن"الناس على دين محطاتهم التلفزيونية" خصوصا في ظل الفضاء المفتوح، وازدياد دور وسائل الاتصالات الحديثة في جعل العالم قرية واحدة. وينمو عدد المحطات الفضائية العربية والمواقع الإلكترونية كنمو العشب في الصحراء بعد المطر. ويتنوع اهتمام هذه المحطات والمواقع بشكل كبير مابين الرياضي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي. ومع التنافس لجذب أكبر عدد من الجمهور فإن وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها ومشاربها تسعى إلى الترويج لأفكار القائمين عليها ومشاريعهم.../...

ويزخر المشهد العربي بمئات القنوات خصص عشرات منها للمواضيع الدينية، ومثلها تنقل أخبار الفن والأغاني، إضافة إلى عشرات القنوات الرياضية على مدار الساعة. وسعت أطراف إلى إنشاء قنوات متخصصة بالاقتصاد والعقارات والسياحة، والأفلام الوثائقية والأعمال الفنية وتطول القائمة.

 وشهد عدد القنوات الإخبارية طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة أيضا. ولعبت هذه القنوات دورا كبيرا في صنع الرأي العام في البلدان العربية. ومع بروز وسائل الإعلام الحديثة والانترنت سعت هذه القنوات إلى تطوير عملها بما يتناسب مع الظروف الجديدة، فازداد التركيز على المواقع الإلكترونية التابعة لها، وصفحات الفيسبوك، والتويتر والمنتديات، وخصص كثير منها صفحات لمشاركة القراء بمقاطع فيديو.

الفضائيات والربيع العربي
وبرز الدور المهم لوسائل الإعلام في تغطية أحداث الربيع العربي، ويذهب البعض إلى أن القنوات الفضائية ساهمت بشكل مباشر في تطور الأحداث وفق السيناريوهات التي نعيشها الآن. وفي هذا الإطار يتناقل المصريون نكتة عن إلتقاء آخر ثلاثة رؤساء لمصر في يوم القيامة، وفيما يجيب جمال عبد الناصر بأن السّم كان سبب موته وانتهاء حكمه، يجيب  أنور السادات بأنه مات بحادثة اغتيال. ويؤكد حسني مبارك أن قناة إخبارية عربية وشبكة الانترنيت أنهتا حكمه وأودعتاه السجن.

وفي سورية تناقل معارضون نكتة حول منع حاجز للأمن والجيش عائلة كانت في طريقها إلى "سيران"، وهو تقليد للعائلات الدمشقية بالخروج في أيام العطل إلى الطبيعة، وتقول النكتة إن العائلة أصرت على الذهاب إلى المنطقة للتنزه واستغربت إصرار عناصر الأمن على منعهم ، واستشهدت بما تبثه قناة محلية بأن الأوضاع هادئة وأن البلد بخير، وأن كل ما تتناقله وسائل الإعلام "المغرضة" ليس له أساس من الصحة. ما اضطر الضابط المسؤول إلى الطلب منهم بأن يحاولوا أن يشاهدوا بين فترة وأخرى  قنوات أخرى من أجل التنويع والفائدة، واجبرهم على العودة.

ويشير كثير من الخبراء إلى دور التغطية الإعلامية للأزمة الليبية في تحديد مسارها ومصير العقيد معمر القذافي.

السياسة فالسياسة وبعدها الموضوعية  

 ويجد المتابع منذ أيام لتغطية أهم القنوات العربية للأحداث في مصر أن الاتفاق الواضح بين أهم قناتين عربيتين في تغطية الحدث السوري لم يمنع بروز اختلاف جدي بينهما في طريقة التغطية لأحداث مصر منذ 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويبدأ الاختلاف من انتقاء زاوية التصوير في نفس المكان، والتقارير التي يعدها مراسلو وموفدو هاتين القناتين، ولا ينتهي بالحرص على انتقاء ضيوف يناسبون رؤيتهم للأحداث، وطريقة عرض الخبر والتركيز على جانب معين وإهمال آخر.

ورغم أن معظم القنوات تؤكد على الموضوعية في تغطيتها الإخبارية فإن الانتقال بين قناة وأخرى، وملاحظة هفوات المصورين والمراسلين، الذين تحول معظمهم إلى محللين يتبنون وجهة نظر فريق معين في الصراع، يظهر أن القنوات باتت تعمل وفق أجندة سياسية في شكل واضح لا لبس فيه.  وليس بعيدا عن ذلك فإن معظم البرامج الحوارية إن استضافت شخصا لا يوافقها رؤيتها السياسية فإن المذيع يتحول إلى طرف رئيسي في الحوار بما يتعدى في معظم الأحيان طريقة "محامي الشيطان" إلى دور مباشر وطرح موقف سياسي محدد.

وفيما كان عذر القنوات الإخبارية العربية مقبولا في طريقة تغطية بدايات أحداث الربيع العربي بسبب القمع الشديد من قبل الدكتاتوريات الحاكمة أنذاك، ولجوئها إلى المواطن الصحفي وشاهد العيان، فإن من غير المفهوم وغير المبرر التفاوت الكبير في تقدير حجم حشد متجمع في ساحة واحدة من ساحات القاهرة ما بين عدة آلاف وعشرات الألوف ومئاتها ومعاكسة الحقائق من أجل تثبيت وجهة نظر القناة التي يعمل فيها المراسل.

وتؤكد هذه الاختلافات في التغطية أن القنوات باتت تعمل وفق سياسة تحرير منفلتة من أي عقال، وان همهما الوحيد خدمة الأجندة السياسية للمولين والأطراف المسؤولة عن القناة. ومن المفهوم انتقاء الضيوف الذين يتفقون مع السياسة التحريرية وهو عرف تدأب معظم القنوات على فعله، لكن غير المقبول تحريف الأنباء، وبث أنباء غير موثوقة من أجل تثبيت توجه المحطة السياسي.

انقسام حاد في الجمهور...
مما لا شك فيه أن القنوات الإخبارية الفضائية تمكنت في السنوات الأخيرة من جذب عدد كبير من جمهور القنوات الحكومية في كل البلدان العربية. ويسعى عدد من دول العالم إلى اقتحام الفضاء العربي وهو ما لمسناه في ازدياد القنوات الأجنبية الناطقة باللغة العربية. وفي العامين الأخيرين تستطيع التعرف على ميول صاحب المكان الذي قصدته من القضايا الراهنة عبر نظرة إلى المحطة التلفزيونية التي يتابعها، والتي باتت المصدر الرئيسي للمعلومات بسبب سرعتها، إضافة إلى عامل مهم وهو أن الثقافة السمعية هي الطاغية تاريخيا في تكوين العرب الذين لا يحبون القراءة والكتابة. لكن الظاهرة الخطيرة تكمن في أن كثيرا من المشاهدين باتوا أسرى لخطاب هذه القناة الفضائية أو تلك، فمنذ أكثر من عام لاحظت انقسام معظم أصدقائي السوريين بين فريقين؛ الأول يتابع القنوات السورية الرسمية وشبه الرسمية بشكل أساسي مع متابعة أقل للقنوات الأخرى الداعمة لنظام الرئيس بشار الأسد بشكل أو آخر، وقام بعضهم بحذف عدة قنوات من قائمة القنوات. والثاني يستقي كل معلوماته من القنوات الخارجية ولا يلتفت مطلقا إلى القنوات المحلية.

ومن الطبيعي أن تخلق هذه الحالة انقساما حادا في المجتمع في ظل غياب وسائل إعلام محايدة. واختلاط الحقيقة بالكذب ما دعا كثيرين إلى الإستسلام لمتابعة القناة التي تبث ما يطرب أذنه ويوافق أمنياته ورغباته وآرائه.

سلطة رابعة
لا يخطئ من يعتقد ان وسائل الإعلام تعتبر سلطة رابعة.. ويذهب آخرون إلى اعتبارها السلطة الأولى في ظل ازدياد عدد مستخدمي الانترنيت، وتنامي عدد القنوات الفضائية المخترقة للحدود وتأثيرها الكبير في قرارات الناس وآرائهم، وحتى طريقة تفكيرهم.

وفي هذا الإطار فإن قنوات الرياضة والفن والغناء والدين هي قنوات سياسية بامتياز ففي الحالات الثلاث الأولى ينطبق عليها القول إن عدم ممارسة السياسة هو سياسة قائمة بحد ذاتها. وأما الحالة الرابعة فهي تسعى إلى إضفاء صبغة دينية على الصراعات السياسية بما يتلائم مع مصالح مموليها.

 وقديما خرج الملوك على عامة الشعب للصلاة أو لإلقاء خطاب في ذكرى معينة بغية تحفيز الرعية وبث الانطباع المطلوب في تلك المناسبة، وسماع التأكيدات على الولاء وتجديد البيعة بعد كل خطبة. واستخدموا تابعيهم من الأدباء والشعراء في كيل المديح لأخلاق وحكمة الملك، ولم يستثنوا رجال الدين الذين تفننوا في إصدار الفتاوي تبريرا لخطوة الحاكم بأمر الله، عندما لا يرغب في الخروج إلى الشعب مباشرة. والآن ومع زيادة مشاغل الملوك والرؤساء، بشؤون لا يعلمها العامة، برزت مهارتهم في استخدام وسائل الاتصالات الحديثة والمحطات الفضائية، وتوظيف الأقلام والألسنة لكي "تسبح بحمدهم" و"تنزههم عن الأخطاء". وتعدى دور وسائل الإعلام الحدود ليرسم سياسات دول ويحدد مصائر شعوب بأكملها. ولأن كثيرا من الناس باتوا على دين محطاتهم المفضلة فقد أدرك بعض الملوك أنه لا بد من الإشراف المباشر على عمل محطات تلفزيونية تنشر أفكارهم، ومنهم من أفلح في ذلك بينما فشل آخرون في استيعاب ضرورة التغيير  ويصرون على استخدام الطرق التقليدية، وعدم اللجوء إلى طرق ملتوية لجذب الجماهير التي سئمت من سماع ذات الإسطوانة على مدى العقود الأخيرة.

---
Rt
مجلة أسرار نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...