بمناسبة بدء السلطات الفرنسية تحقيقاً في ظروف واسباب موت الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم الاثنين تقريرا من مراسلتها هارييت شيروود تشير فيه الى ان هذا التحقيق جاء نتيجة ضغط من ارملة عرفات. وتقول المراسلة ان فحص عينات من رفات عرفات تحت اشراف قضاة فرنسيين يمكن ان يجيب عن اسئلة حول سبب وفاة عرفات قبل ثماني سنوات. وهنا نص التقرير الذي نشر تحت عنوان "هل سمم عرفات؟ الاسرائيليون ينفون اغتياله بينما يعد قضاة لاستخراج رفاته":
"داخل الأسوار المحروسة لمقر الرئاسة الفلسطينية، المعروف بـ"المقاطعة"، يرقد جثمان ياسر عرفات داخل ضريح لامع من الحجر الجيري والزجاج. وهنا يأتي الوجهاء والشخصيات والمخلصون والسياح لأداء التحية لرجل كان مبجلا في انحاء العالم كوجه للنضال الفلسطيني لعقود.
الضريح مغلق امام الزوار بسبب اعمال الترميم في المقاطعة. ولذلك فان المجموعة القادمة التي ستجتاز البلاط السلس الشاحب بين البوابة الجنوبية للمقاطعة وبين الضريح من المرجح ان تتألف من ثلاثة قضاة فرنسيين يتوقع ان يصلوا الى رام الله في غضون الاسابيع القليلة المقبلة. ومهمتهم هي التحقيق في مزاعم حول ان الرئيس الفلسطيني السابق لم يمت نتيجة لأسباب طبيعية وانما تعرض للاغتيال، وجرى تسميمه من جانب عملاء يعملون لصالح اسرائيل.
"داخل الأسوار المحروسة لمقر الرئاسة الفلسطينية، المعروف بـ"المقاطعة"، يرقد جثمان ياسر عرفات داخل ضريح لامع من الحجر الجيري والزجاج. وهنا يأتي الوجهاء والشخصيات والمخلصون والسياح لأداء التحية لرجل كان مبجلا في انحاء العالم كوجه للنضال الفلسطيني لعقود.
الضريح مغلق امام الزوار بسبب اعمال الترميم في المقاطعة. ولذلك فان المجموعة القادمة التي ستجتاز البلاط السلس الشاحب بين البوابة الجنوبية للمقاطعة وبين الضريح من المرجح ان تتألف من ثلاثة قضاة فرنسيين يتوقع ان يصلوا الى رام الله في غضون الاسابيع القليلة المقبلة. ومهمتهم هي التحقيق في مزاعم حول ان الرئيس الفلسطيني السابق لم يمت نتيجة لأسباب طبيعية وانما تعرض للاغتيال، وجرى تسميمه من جانب عملاء يعملون لصالح اسرائيل.
ليس هناك نقص في الاشاعات والنظريات حول سبب وفاة عرفات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، في اعقاب تدهور مفاجىء في صحته بعد اكثر من عامين على سجنه عملياً داخل مقره في رام الله. وتم بسرعة تفنيد المزاعم حول ان الزعيم البالغ 75 عاما كان يعاني من الايدز او تليف الكبد. ولكن الايحاءات بانه تعرض للتسميم اثبتت انها اكثر دواما. ويحاول علماء الآن اثبات او نفي مثل هذه النظريات.
ان استخراج رفات عرفات سيكون مهمة حساسة ومثيرة للمشاعر، نظرا للتقدير العميق والاحترام الذي لا يزال يحظى به لدى الفلسطينيين بعد نحو ثماني سنوات من وفاته. وسيتم استخراج الرفات من القبر ونقلها الى مستشفى في رام الله لأخذ عينات لفحصها من اجل التحقق من وجود مواد سامة.
وبحسب توفيق الطيراوي، رئيس اللجنة الفلسطينية للتحقيق في وفاة عرفات وأحد المسؤولين الذين تحصنوا مع عرفات في المقاطعة تحت الحصار الاسرائيلي لأكثر من عامين، فانه لن تكون هناك اي اجهزة تصوير لتسجيل الحدث. وصرح الطيراوي لصحيفة "ذي غارديان": "سيكون من الصعب جدا السماح للصحافيين بالتواجد بسبب كل صعوبات هذه العملية".
وطلب الطيراوي تفاصيل عن متطلبات قضاة التحقيق الفرنسيين من اجل ازالة اي اعتراضات. ولكن القيادة الفلسطينية اعربت عن استعدادها من حيث المبدأ للتعاون مع التحقيق في الاغتيال، والذي تم فتحه الشهر الماضي بطلب من ارملة عرفات، سهى، وهي مواطنة فرنسية. وجاءت خطوتها في اعقاب ادعاء في تموز (يوليو)، بثته قناة "الجزيرة"، لمختبر سويسري بأنه رصد وجود مادة مشعة سامة، هي البولونيوم 210، في متعلقات شخصية لعرفات. وعلى الرغم من رفض السماح بتشريح جثمان عرفات، فان سهى سلمت العام الماضي أغراضاً من بينها فرشاة اسنان وملابس داخلية لعلماء في معهد الفيزياء الاشعاعية في لوزان.
وصرح فرانسوا بوشود، مدير المعهد، لقناة "الجزيرة": "لقد قسنا كمية مرتفعة غير مبررة من البولونيوم 210 غير المدعوم في اغراض للسيد عرفات تحتوي على سوائل بيولوجية". مضيفا ان اختبارات لجثمان عرفات مطلوبة لتأكيد النتائج. وقال: "يجب علينا ان نفعل ذلك بسرعة نظرا لأن البولونيوم يتحلل. ولذلك فاذا انتظرنا طويلا، فسيختفي اي دليل محتمل".
ويذكر ان البولونيوم، وهو مادة مرتبطة بقتل الجاسوس الروسي السابق اليكساندر ليتفينيكو عام 2006، ينضب بسرعة في العظام والاغشية اللينة. وقدر المعهد احتمال العثور على آثار في العينات من رفات عرفات بنحو 50 بالمائة.
واشعلت ادعاءات الجزيرة مجدداً الاتهامات في اوساط الفلسطينيين بان عرفات راح ضحية مؤامرة من تدبير وكالة الاستخبارات الاسرائيلية الشهيرة، "موساد"، مهندسة موت كثيرين من اعداء الدولة العبرية. قال سامر قراقع الذي يدير دكاناً مقابل المقاطعة قبل ايام: "ياسر عرفات اغتالته اسرائيل – كل الفلسطينيين يعلمون ذلك". ولكنه (قراقع) كان متشككا في امكانية ان يظهر التحقيق الجديد دليلاً. وهز كتفيه قائلاً: "اسرائيل لن تسمح بذلك".
واثارت الادعاءات الجديدة عداءً بين سهى عرفات والسلطة الفلسطينية. ذلك انها طالبت السلطة الفلسطينية بحدة بـ"تعليق كل المبادرات"، قائلةً ان التحقيق الفرنسي "يجب ان تكون له الاولوية على جميع الاجراءات الاخرى، لانه الضمان الاكيد للاستقلال والحياد". واوحى تصريحها بعدم الثقة باجراء السلطة الفلسطينية تحقيقاً ذا مصداقية، بالرغم من اعادة تشكيلها لجنة تحقيق في 2010. وعلاقة السيدة عرفات بـ"(قناة) الجزيرة"، وهي من الاشياء الكريهة الاخرى في نظر السلطة الفلسطينية في اعقاب كشفها في السنة الماضية، مع الـ"غارديان"، الوثائق الفلسطينية التي تتضمن تفاصيل المفاوضات مع اسرائيل – اثارت هي ايضاً غضب المسؤولين الفلسطينيين.
لم تكن السيدة عرفات محبوبة في اوساط الفلسطينيين. فقد تشكك كثيرون في تحولها عن الديانة المسيحية الى الاسلام، ومجوا اسلوب حياتها المنعم وساورتهم شكوك حول كيفية تمويله. وبينما كان عرفات محاصراً في رام الله، عاشت زوجته في راحةٍ في تونس.
لمدة سنتين ونصف سنة قبل وفاته، كان عرفات بصورة عملية سجيناً داخل انقاض مجمعه الرئاسي. فقد حولت الدبابات والجرافات الاسرائيلية جزءاً كبيراً من "المقاطعة" الى انقاض خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية من سنة 2000 الى 2005. وخشي عرفات من انه اذا غادر المقاطعة، فستكمل القوات الاسرائيلية العملية – ومن الممكن جداً ان تغتاله. ولم تكن مخاوفه من دون اساس. ففي ايلول (سبتمبر) 2003، قال نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الحين ايهود اولمرت في مقابلة اذاعية: "الطرد هو بالتأكيد احد الخيارات. والقتل ايضاً احد الخيارات".
لم تكن الحياة داخل "المقاطعة" صحية. وقال الطيراوي: "الاحوال المعيشية في الايام الاخيرة كانت صعبةً جداً. في بعض الاحيان لم يكن هناك اوكسجين كاف. واحياناً لم يكن هناك ما يكفي من الماء النظيف. كنا مطوقين كلياً. كانت صحة كل الناس الموجودين في المقاطعة تعاني".
كان حوالي 270 شخصاً محصورين داخل المجمع، بمن في ذلك مستشارو عرفات المقربون، وحراس امنه وعشرات من الفلسطينيين النشطاء المطلوبين لاسرائيل. وقال الطيراوي: "تخيلي – 270 شخصاً كانوا محصورين ضمن مساحة صغيرة. كان الناس ينامون فوق بعضهم بعضاً".
كان المكان الخاص بعرفات مكوناً من حجرة نوم صغيرة ليس لها نافذة وفيها سرير عسكري صغير. ويقول الطيراوي الذي كان في ذلك الحين رئيس الاستخبارات الفلسطينية، ان القائد كان يفضل النوم غير بعيد عن حراسه. واثرت العزلة سلباً في معنويات عرفات المعتاد على السفر في انحاء العالم ولقاء قادة الدول والزعماء السياسيين. وقال الطيراوي: "لم يتصل به هاتفياً احد من العالم الخارجي"، مدعياً ان الضغط الاميركي كان السبب في ذلك.
وقال ان امدادات الطعام ومياه الشرب والمواد الضرورية الاخرى كانت تمر عبر ايدي الاسرائيليين. في طريقها الى المقاطعة. واضاف: "الاسرائيليون كانوا يأخذون كل شيء لساعة او اثنتين، ثم يسمحون بدخولها". وكان الغذاء قليلا ولكن صحياً: دجاج، وسمك، وعسل، وخضار.
ولكن في منتصف تشرين الاول (اكتوبر) 2004، مرض عرفات وصار يعاني من التقيؤ، والاسهال، وآلام المعدة والحمى. واستدعي اطباء ولكن حالته ساءت. وظهرت بقع حمراء متوهجة على خديه وتسارع فقدان وزنه. وتذكر الطيراوي: "كان يعلم انه مريض لكنه كان يقول: ما في شيء".
كان عرفات بحاجة الى علاج طبي عاجل ومتقدم، افضل من التسهيلات المتوافرة في رام الله. وفي نهاية الامر طلب كبار المسؤولين – وحصلوا على – تأكيدات من الحكومة الاسرائيلية بانه اذا غادر الرئيس "المقاطعة"، فسيسمح له بالعودة.
ونقل عرفات، الذي صار نحيلاً لدرجة ملفتة، وهو يرتدي طاقية صوفية غير معهودة بدلاً من كوفيته المألوفة المميزة، بالطائرة الى مستشفى عسكري في باريس في 29 تشرين الاول (اكتوبر). وبعد اقل من اسبوعين على ذلك توفي.
استنتج تقرير طبي اعده الاطباء الفرنسيون الذين اشرفوا على علاج عرفات انه اصيب بجلطة بعد معاناته من خلل في الدم يعرف باسم تخثر الدم المتفرق في الاوعية الدموية. ولكن سرعان ما اخذت تسري اشاعات عن تسميم. وفي الشهر الماضي رفض دوف فايسغلاس، وهو مساعد لرئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الحين ارييل شارون، المزاعم عن اغتيال. وبينما اقر بان عرفات كان "احد اسوأ اعداء اسرائيل"، قال لاذاعة الجيش: "اسرائيل لم يكن لها اي يد في هذا". وقال مساعد كبير آخر لشارون، هو رعنان غيسين لوكالة اسوشييتد برس ان اسرائيل "لم تلمس قط شعرة على رأسه".
ووفقاً للطيراوي، توفي اثنان من ساكني المقاطعة من اسباب غير معروفة بعد وقت قصير من موت عرفات. وقال: "نحتاج الى معرفة لماذا توفيا ايضاً". ورفض الحديث عن قضية البولونيوم قائلاً: "لا استطيع استباق التحقيق" – ولكن الطيراوي اقر بانه اذا كان عرفات قد سمم، فلا بد ان يكون هذا قد حدث بمساعدة من الداخل، لان عملاء اسرائيل خارج المقاطعة ما كانوا ليعرفوا اي طعام سيأكله عرفات.
(وقال): "في بعض الايام كانت تصل الينا 100 دجاجة. اذا وضع احد بولونيوم او اي نوع من السم في طعامه، فلا بد انه فلسطيني. ممكن – ممكن – انه كان هناك تعاون من الداخل".
في الماضي عبر الطيراوي عن شكه في الادعاءات بان طعام عرفات او مائه قد سمم. لكنه يؤكد ان حصار اسرائيل للمقاطعة ساهم في موت عرفات. ويقول: "بغض النظر عن كيف حدثت الوفاة وباي طريقة، الاسرائيليون قتلوا ياسر عرفات. الوضع الذي كان محيطاً به، الاحوال المعيشية. ولكن الوصول الى الحقيقة ليس مهمة سهلة. هناك احتمال اننا قد لا نعرفها ابداً".
المصدر: وكالات
مجلة أسرار نت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق