الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

الجزائر: تجاوزات تعسفية في استئصال ثدي المصابة بالسرطان

 رغم ان الجزائر تعتبر من الدول القلائل التي لازالت تعتمد إلى حد كبير على مجانية العلاج ، إلا ان الواقع مرير وسيء فهذه المراكز والمستشفيات التي ضخت فيها الدولة الملايير أصبحت طاردة للمرضى أكثر منها مكانا للعلاج والسبب بحسب المواطنين يعود بالدرجة الأولى للمسؤولين المحليين في هذه المراكز ، فمدير المستشفى أشبه بالملك الذي يصعب الحديث معه ، بل في بعض الأحيان تعتبر رؤيته من المعجزات ! ناهيك عن تصرفات الأطباء والممرضين الذين يتسم غالبيتهم بحسب المواطنين بسلوكات لاتعكس أبدا نبل مهنة الطب والتمريض ، فغالبيتهم يعتبرون المريض يأتي للمستشفى يطلب صدقتهم متناسين في ذلك أنهم في خدمة ذلك المريض وليس العكس ، وان المريض هو الذي يدفع أجرتهم .

ويتفق عدد من المختصين في مجال الأنكولوجيا، على خطورة الوضع الصحي الحالي بالجزائر، مع التزايد الصارخ لمرضى السرطان وصعوبة التكفل بهم، مؤكدين أن الحلّ الوحيد يكمن في تغيير جذري مستعجل، ينقذ آلاف المرضى من الهلاك.جاء ذلك خلال استطلاع رأي قامت به ''الخبر'' تزامنا مع فعاليات ''أكتوبر.. الشهر العالمي لداء سرطان الثدي''، حول استفحال داء السرطان بشكل بات يدعو إلى القلق، بدليل تسجيل 45 ألف حالة جديدة سنويا لمختلف أنواع السرطان.وعن رأيه في الموضوع، أكد لنا البروفيسور بن الذيب أحمد، رئيس
مصلحة أمراض الثدي بمركز بيار وماري كوري لمعالجة مرضى السرطان، أن النظام الصحي الحالي لا يوفر سوى تكفل نسبي وذي نوعية متردّية جدا، مرجعا السبب الرئيسي إلى تركيز الجزائر على التكوين الكمّي مهملة النوعية، حيث قال: ''أردنا السير بوتيرة جدّ سريعة، وكان الأحرى أن نمشي بتروّ، وكانت النتيجة تخرّج أعداد كبيرة من الأطباء ضعيفي المستوى، بسبب رداءة التكوين الذي تلقّوه''، وهو ما زاد من تفاقم المرض عند الجزائريين. فالطبيب الذي لا يتلقّى تكوينا نوعيا ويتخرّج بمستوى ضعيف، من المستحيل أن يكون طبيبا ناجحا، ودليل ذلك، يقول بن الذيب، التأخر الكبير المسجّل في تشخيص داء السرطان، حيث أن عدم تمكن الطبيب من اختصاصه وبالتالي فشله في تشخيص المرض، يجعله يمرّ عبر مئات الطرق، فيطالب المريض بعديد الفحوصات، ثم يواري فشله إزاء الحالة بتوجيهه إلى مختص آخر يمرّره عبر ذات التجربة، وكل ذلك مضيعة وإهدار للوقت، يضيف محدثنا، ليتبيّن بعد مدة قضاها المريض المسكين بين مختلف أقسام المستشفى ومخابر التحاليل، أنه مصاب بداء السرطان بل وبلغ مرحلة متقدّمة من الداء، يصبح فيها الأمل في الشفاء ضئيلا جدا، كما تبلغ مصاريف التكفل به مبالغ خيالية، تتحمّلها الدولة. وعن هذه التكاليف، يقول البروفيسور كمال بوزيد، رئيس مصلحة الأورام السرطانية بمركز بيار وماري كوري، إن التكفل بحالة واحدة لسرطان الثدي في مرحلته المتقدمة يكلّف 6 ملايين دج، في حين لا تتعدّى ذات التكلفة في حال اكتشاف الداء مبكرا، 300 ألف دينار حسب " الخبر" الجزائرية.

تجاوزات في استئصال الثدي
من بين الأمور التي يندى لها الجبين، ما يجري حاليا بمصالح العلاج بالأشعة لمرضى السرطان على مستوى الوطن، ومشكل المواعيد المؤجلة إلى وقت طويل، حيث حدّد موعد العلاج بالأشعة لمريضة بسرطان الثدي انتهت منذ فترة من العلاج الكيميائي الذي يجب أن يتبع مباشرة بالعلاج بالأشعة، يوم 25 سبتمبر 2013 وهو ما اطّلعنا عليه في استمارة العلاج الخاص بها، علما أن آلاف الحالات مؤجلة إلى أوت وسبتمبر .2013 وعن هذا التأخر، أكدت لنا السيدة كتّاب حميدة، الأمينة العامة لجمعية ''الأمل'' لمساعدة مرضى السرطان، أن هناك تجاوزات تحدث بمركز بيار وماري كوري، تستوجب محاسبة المتسبّبين فيها، ويتعلق الأمر بحالات سرطان ثدي تتطلب علاجا فوريا بالأشعة، لكن عدم توفّره يجعل الطبيب يلجأ إلى استئصال أثداء مريضات صغيرات السن، حيث يطلب الطبيب من المريضة أن تسعى للحصول على موعد قريب للعلاج بالأشعة، ويشترط أن تأتيه بتاريخ الموعد كتابيا. فإن كان لها ''معريفة صحيحة''، وهو المتداول، وحصّلت على الموعد كتابيا للخضوع للعلاج بالأشعة، سواء بمركز بيار وماري كوري أو بالمركز العسكري لعين النعجة أو بالبليدة، يخضعها الطبيب لعملية جراحية ينزع خلالها الورم فقط، على أساس مواصلة العلاج بالأشعة الذي يمكّن من قتل الخلايا السرطانية. أما في حال عدم التمكّن من الحصول على موعد قريب، وهو الساري بالنسبة لآلاف الحالات، يلجأ الطبيب إلى استئصال الثدي كاملا، لأنه يعلم مسبقا أن استئصال الورم فقط دون إتباعه بعلاج إشعاعي، يسمح بمعاودة المرض بعد فترة انتظار طويلة، ويضطر بعدها ذات الطبيب إلى استئصال الثدي في عملية جراحية ثانية لنفس المريضة.
فقدان الثقة في الأطباء
ويظهر أن معاناة المريض الطويلة، دون توصل لعلاج فعّال في كثير من الحالات، جعلت المريض يفقد الثقة في طبيبه، وهي المسألة التي أكدها البروفيسور بن الذيب، مشيرا إلى أن فقدان المريض الثقة بطبيبه بالجزائر جعله غير مستقر في العلاج، ودليل ذلك الكمّ الكبير لمرضى الولايات الداخلية للوطن الذين يقصدون، يوميا، مستشفيات الجزائر العاصمة ''على أساس أن أطباءها هم الأكفأ، وعلى أيديهم سيكون الشفاء''. لكن ذلك زاد من حدّة الوضع، حيث باتت مختلف أقسام مستشفيات العاصمة ملأى عن آخرها، يقول بن الذيب، فعوض أن يعاين الطبيب 40 مريضا يوميا ويهتم بعلاجهم، يجد نفسه أمام 400 مريض، لا يستفيد ولا واحد منهم من اهتمام الطبيب المغلوب على أمره، مستشهدا بمرضى السرطان الذين باتوا كالحجيج، ومركز بيار وماري كوري قبلتهم المفضلة.

تبذير للأدوية والجميع يطالب بالأولوية
وسط هذا الوضع المتردّي الذي تشهده الصحة في بلادنا، أكد البروفيسور بن الذيب على ضرورة استحداث تغيير جذري في نظام الصحة الحالي، على أن تعطى الأولوية للتكفل بالأمراض التي لا يمكنها أن تنتظر، مثل داء السرطان، مندّدا بسياسة تبذير الأدوية، حيث أكد أن العديد منها يستورد دون الحاجة الكبيرة إلى استعماله، فيذهب إما إلى جيوب عمال المستشفيات أو إلى المزابل بعد نهاية صلاحيته، والمستفيد الأول من بقاء الأمور متعفنة وعلى حالها، حسب بن الذيب، هم مستوردو الدواء. كما أكدت السيدة كتّاب، في ذات الصدد، ذهاب ملايير الدنانير الموجّهة لأدوية العلاج الكيميائي هباء، حيث أن استهلاكها من قبل المرضى دون إتباعها بالعلاج بالأشعة الموقّف حاليا، يجعلها عديمة الفعالية، بسبب معاودة المرض لجسد المريض، وهذا هو أكبر تبذير للأدوية حسب كتّاب.
والحل، حسب محدّثينا، يكمن في تغيير شامل لسياسة الصحة بالجزائر، وإعادة النظر في مسألة الطب المجّاني. وفي هذا الصدد، يقترح بن الذيب أن تتولّى الدولة إعطاء كل مؤسسة استشفائية ميزانيتها الخاصة، تماشيا مع عدد المرضى الذي يتكفّل بهم المستشفى، عوض وضع مبالغ جزافية تشترك فيها كل المستشفيات. حينها فقط، تنظّم الأمور، فيعالج المريض ''السطايفي'' بمستشفى سطيف الذي يدفع عنه صندوق الضمان الاجتماعي، والمريض العاصمي يعالج بالعاصمة، ليؤكد البروفيسور بن الذيب، في الأخير، أنه إذا حصل تغيير في هذا المسار، فإن الوضع الحالي لمستشفياتنا سيتحسّن في ظرف لا يتعدى 6 أشهر.
مجلة أسرار نت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...